السبت، 10 ديسمبر 2016

نفاق العم سام!

مع نتيجة الانتخابات الأمريكية الأخيرة وفوز المرشح المثير للجدل دونالد ترامب أصيب العرب والمسلمون بإحباط شديد. لا يستطيع أحد أن يلومهم إذا ما تذكرنا التصريحات المعادية للمسلمين التي أدلى بها ترامب في كثير من المواقف، فضلا عن الوعود الانتخابية التي أطلقها والتي شملت منع دخول المسلمين للولايات المتحدة. هذا الاحباط ذكرني بالفرحة الكبيرة التي انتابت العرب والمسلمين مع فوز أول رئيس أمريكي أسود عام 2008، الرجل ذو الأصل الكيني باراك حسين أوباما، خطاب القاهرة الذي بدأه بـ"السلام عليكم" وختمه باقتباس آية من القرآن جعل الكثير منا يظن أننا في الطريق لفتح صفحة جديدة مع "العم سام"، لكن هذا الأمل بدأ يتلاشى مع مرور أشهر الرئيس أوباما، فسيغادر أوباما قبل أن يفي بوعده بغلق معتقل غوانتانامو سيء الصيت الذي اعتقل فيه أكثر من سبعمئة وخمسين شخصا كلهم من المسلمين وأغلبهم اعتقلوا بدون تهمة بينما تحاضر أمريكا -أو "أرض الأحرار" كما يحب الأمريكيون تسمية بلادهم- على العالم في حقوق الإنسان.
دعونا نأمل أن يحول ترامب نفاق العم سام إلى صراحة، فلا أسوأ من أن يقابلك عدوك بوجه ودود ثم يطعنك في ظهرك.
لم يكن عدم إغلاق غوانتانامو خطأ أوباما الوحيد فبعد بدء مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران بدأ أوباما بتقديم التنازلات الواحدة تلو الأخرى لإيران لينجح الاتفاق، سلم العراق على طبق من ذهب لإيران ثم ما لبث يمسح الخطوط الحمر في سوريا كلما تخطاها النظام بينما منع أصدقاء المعارضة من تسليحها بأسلحة نوعية خوفا من أن تقع في يد "إرهابيين"، وهنا نتعرف إلى صنف آخر من نفاق العم سام وكيف يصنف من يشاء مع الإرهابيين وينزعه عن من يشاء، ففطنته الخارقة جعلته "لا ينخدع" بانفصال جبهة فتح الشام عن القاعدة ويبقي على تصنيفها بل يزيد من استهدافها ومن حولها من المعارضة بينما يرفض أن يربط حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بحزب العمال الكردستاني رغم أنه يعلم أنهما وجهان لعملة واحدة، لم يقتصر الأمر على عدم التصنيف فحسب بل اتخذ من ذلك الحزب قوات له على الأرض لمقاتلة تنظيم الدولة ورفض عرض السعودية وتركيا محاربة تنظيم الدولة في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة وفضل حزبا انفصاليا عنصريا على جيشين رسميين مهمين في المنطقة، أما في العراق فاختار دعم حكومة حزب الدعوة وميليشيات الحشد الشعبي التي ارتكبت تحت مساندة الطيران الأمريكي فظائع لا تقل عن جرائم تنظيم الدولة إن لم تزد عنها فأخذ يساند عصائب أهل الحق وغيرها من فصائل الحشد المدعومة من إيران ليدخل تكريت والفلوجة والرمادي وغيرها من المدن السنية التي حرقت وهجر أهلها، بل حتى أن بعضها غير اسمه كمدينة جرف الصخر العراقية التي لم يعد أهلها لها رغم طرد التنظيم منها منذ أكثر من عامين، وفي الشمال العراقي دعم قوات البيشمركة التي سيطرت بدعم أمريكي على عدة قرى عربية ثم هدمتها كما أوضحت تقارير عدة منظمات إنسانية من بينها هيومن رايتس ووتش، هذا الهدم جاء ليمنع أهل تلك القرى من العودة لها تمهيدا لضمها لإقليم كردستان العراق.
وفي اليمن ما لبث كيري يحاول أن يصل لاتفاق يشرك الحوثيين في السلطة متعذرا بأن الحرب سببت خسائر في صفوف المدنيين وكأن حربه على تنظيم الدولة لم تخلف مجازر مروعة في حق المدنيين كان أبرزها مجزرة التوخار التي حدثت قرب منبج حين كانت الطائرات الأمريكية تساند حزب العمال الكردستاني على احتلال مدينة عربية لضمها لإدارتها الذاتية. يعتقد العم سام أن الحوثيين أصحاب شعار "الموت لأمريكا" ليسوا خطرا على الامن القومي الأمريكي وأن هذا "مجرد شعار" رغم قصفهم للبارجة الأمريكية التي سكت عنها أوباما في المرة الأولى ثم رد في المرة الثانية بقصف مواقع رادارات سبق وأن قصفها التحالف العربي أصلا! بينما ما زال العم سام يعتقد أن بعض الفصائل الإسلامية في المعارضة السورية التي وعدت بالعمل داخل سوريا فقط خطر على أمنه القومي! 
يدعي العم سام أنه مع حل الدولتين بينما يصرح أوباما بأن القدس يجب أن تكون العاصمة الموحدة لـ"الشعب الإسرائيلي".
تدخل العم سام في العراق بعد أن حاصر تنظيم الدولة اليزيديين في جبل سنجار وتدخل في سوريا من أجل حماية الأكراد في عين العرب-كوباني بينما وقف متفرجا على الغوطة وهي تخنق بالكيماوي وعلى حلب وهي تهدم فوق رؤوس أهلها وعلى إبادة عشيرة الشعيطات التي قتل أكثر من ألف من أهلها على يد تنظيم الدولة بعد تمردها عليه في دير الزور، العم سام لا يفرق بين البشر والحيوانات، من الطبيعي أن تهتم لحياة الحيوانات المهددة بالانقراض أكثر من غيرها لكن أهمية حياة البشر واحدة سواء كانوا أقلية أم أكثرية. فقد صنف ممارسات تنظيم الدولة في حق اليزيديين والشيعة والمسيحيين على أنها جرائم إبادة جماعية لكنه لم يصنف ما حصل للمسلمين السنة في العراق وسوريا من جرائم تفوق جرائم التنظيم بعشرات المرات.
يقال بأن البلد الوحيد الذي لا يمكن أن يقع فيه انقلاب هو أمريكا لأنه لا سفارة للعم سام في أمريكا، في يوم الانقلاب في تركيا دعت سفارة العم سام مواطنيها لتوخي الحذر لأن "انتفاضة" تحصل في تركيا وحين فشل الانقلاب بدأ الإعلام الأمريكي بالتباكي على مصير من حاولوا الانقلاب ويطالب باحترام "حقوق الإنسان" بينما ما يزال مدبر الانقلاب يعيش في قصره في بنسلفينيا، لا عجب فقبل هذا رفض العم سام تسمية انقلاب السيسي باسمه بل ووقع معه صفقات تسليح بينما يبدي قلقه من تصرفات أردوغان "السلطوية".
امتدح العم سام تحول بورما نحو الديموقراطية بينما ما زالت أقلية الروهنغيا الأركانية المسلمة تباد وتحرم من حقوقها على يد الحكومة البورمية المنتخبة تماما كما كان يحصل مع الحكومة العسكرية.
أما إعلام العم سام فيدهشك في تعريفه للإرهاب فلا تسمى العملية إرهابية حتى تتبين ديانة فاعلها، فيدخل أمريكي أبيض إلى مدرسة ويقتل عدد من تلاميذها ولا يسمى إرهابيا، ويقتل آخر جاره المسلم وزوجته وأخته ولا يعتبر إرهابيا، ويقتل ثالث إمام مسجد في نيويورك ولا يسمى إرهابيا، لكن الإرهابي هو ذاك المسلم الشرير الذي كتب تغريدة على تويتر أو منشورا على فيسبوك أو حتى تحدث بالعربية وهو على متن طائرة أو عند مدخل فندق.
أفعال العم سام لا تتغير، فقط يتغير وجهه، فهل سيظهر لنا العم سام بوجهه الصريح هذه المرة؟

نشر في مدونات الجزيرة 
http://blogs.aljazeera.net/Blogs/2016/12/9/%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85-%D8%B3%D8%A7%D9%85